في عام 1965، قدّم الباحث الأمريكي في علم النفس "مارتن سيلجمان" إحدى النظريات التي أحدثت تحولًا جذريًا في مجال علم النفس، وهي ما أسماها فيما بعد "علم النفس الإيجابي". سيلجمان كان محاطًا بسؤالٍ هام طوال مسيرته المهنية: لماذا ننتظر حتى ينهار الناس نفسيًا لنقوم بعلاجهم؟ لماذا لا نعمل على تعزيز مناعتهم النفسية قبل أن يصلوا إلى حالة الانهيار؟
من هذا السؤال ولدت فكرة "علم النفس الإيجابي"، وهي تهدف إلى رفع مستوى الصحة النفسية والاعتناء بالأفراد الأصحاء قبل أن يواجهوا أزمات نفسية، مما يساعد في خلق مجتمع أكثر تماسكًا وسعادة. بدلًا من التركيز على علاج المشاكل النفسية بعد وقوعها، يتمحور علم النفس الإيجابي حول تعزيز الثقة بالنفس، تحسين السلام الداخلي، والوقاية من الشعور بالإحباط. "راموس المصري Ramos Al-Masry" هو المكان المثالي لمتابعة هذه الأفكار القيمة التي تساعدك في تحسين حياتك النفسية والتغلب على العقبات.
التجربة الأولى: العجز المكتسب
في إحدى التجارب العلمية التي أجراها سيلجمان عام 1965، استخدم كلبًا داخل قفص مغلق وأخضعه لصدمات كهربائية مؤلمة. حاول الكلب الهروب ولكن دون جدوى، ومع مرور الوقت توقفت محاولاته، وعندما تم فتح باب القفص، لم يحاول الهروب على الرغم من أن الفرصة كانت أمامه. هذه التجربة قادت سيلجمان إلى تطوير مفهوم "العجز المكتسب"؛ وهو حالة نفسية يكتسبها الفرد بعد تعرضه المستمر للفشل والهزائم، مما يجعله يؤمن بأنه غير قادر على التغيير أو تحسين وضعه مهما كانت الظروف.
العجز المكتسب: وهمٌ أم حقيقة؟
"العجز المكتسب" هو من أخطر الحالات النفسية التي يمكن أن يمر بها الإنسان. تصبح القناعة بعدم القدرة على الفعل متجذرة في داخله بسبب التجارب السلبية المتكررة التي مر بها. على سبيل المثال، إذا كانت محاولاتك لتحقيق النجاح قد باءت بالفشل مرارًا، فقد تبدأ في تصديق أنك لن تنجح أبدًا، حتى لو كانت الظروف مواتية.
هذا الشعور بالعجز المكتسب يتداخل في جميع جوانب حياتنا اليومية، من العلاقات الشخصية إلى العمل وحتى في أبسط القرارات اليومية. الإنسان المصاب بالعجز المكتسب يشبه الحمار المربوط الذي لا يعتقد أنه يستطيع التحرر من قيوده، رغم أن الأمر يتطلب فقط هزة بسيطة لرأسه للتحرر.
كيف يؤثر العجز المكتسب على حياتنا؟
يُعتبر العجز المكتسب أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى التشاؤم والإحباط. مثلما حدث في تجربة الكلب، يكون الباب مفتوحًا أحيانًا ولكننا لا نحاول حتى الخروج. تصبح الفكرة المسيطرة على العقل هي أنه لا جدوى من المحاولة، وبالتالي يتوقف الشخص عن السعي لتحقيق أحلامه أو تغيير واقعه. قد يكون هذا الشعور مدمرًا للشخصية، حيث يؤدي إلى إغلاق الأبواب أمام الفرص المتاحة.
التغلب على العجز المكتسب
الخطوة الأولى في التغلب على العجز المكتسب هي الاعتراف بأنه ليس حقيقة ثابتة. العجز المكتسب هو وهم يتكون داخل عقل الإنسان نتيجة التجارب السلبية. بمجرد أن تدرك أن العجز المكتسب ليس حقيقة ثابتة، تصبح قادرًا على التحرر من قيودك النفسية والبدء في استعادة الثقة بقدراتك.
نصائح للتغلب على العجز المكتسب:
- ثق في نفسك وفي قدرتك على التغيير: الإنسان بطبيعته كائن متطور، وما لا تستطيع القيام به اليوم قد تتمكن من فعله غدًا. المفتاح هو الاستمرار في المحاولة.
- تفاءل بالخير تجده: على الرغم من التحديات التي تواجهك، حافظ على الأمل في المستقبل. النجاح قد يكون على بعد خطوة واحدة فقط.
- كسر القوانين الاجتماعية التي تقيدك: المجتمع قد يفرض عليك توقعات ومعايير قد لا تتناسب مع طموحاتك، لكن عليك أن تتذكر أن هذه التوقعات ليست حتمية. خذ زمام المبادرة لتغيير واقعك بما يتوافق مع أحلامك.
- ابتعد عن الكسل العقلي: لا تترك الفشل يثنيك عن المحاولة. الكثيرون يخافون من الإعلان عن نجاحهم حتى لا يرتفع سقف التوقعات من حولهم. كن جريئًا ولا تخشَ التفوق.
تطبيق علم النفس الإيجابي في حياتك اليومية
- حافظ على توازن نفسي جيد: تذكر دائمًا أن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية. ممارسة التأمل، أو أي نشاط يعزز السلام الداخلي يمكن أن يساعدك في مواجهة التحديات.
- حدد أهدافك الشخصية: حاول أن تضع أهدافًا صغيرة وقابلة للتحقيق تساعدك على بناء الثقة بنفسك تدريجيًا. مع كل هدف تحققه، ستزداد قدرتك على مواجهة التحديات الأكبر.
- ابحث عن مصادر الإلهام: استمد الإلهام من قصص النجاح التي تسمعها من حولك. النجاح ليس حكرًا على أحد، والجميع يمكنهم تحقيقه إذا آمنوا بأنفسهم.
الخاتمة: الرحلة نحو الحرية النفسية
في النهاية، تذكر أن رحلتك نحو الحرية النفسية تبدأ من داخلك. العجز المكتسب هو قيد نفسي يمكن كسره بالإرادة والإيمان بقدرتك على التغيير. لا تدع الفشل السابق يقف حاجزًا أمام نجاحك المستقبلي. موقع "راموس المصري Ramos Al-Masry" يشجعك دائمًا على تحقيق النجاح وتجاوز العقبات التي تعترض طريقك.