في هذا المقال، سنتناول موضوعًا في غاية الأهمية، وهو "الذكر" في الإسلام وكيف يمكن أن يكون سببًا رئيسيًا لتحقيق السعادة والراحة النفسية. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "سبق المفردون"، وعندما سئل من هم المفردون، قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات". يظهر هنا جليًا أن الذكر هو من أعظم العبادات وأسرعها للوصول إلى قرب الله وتحقيق السكينة.
![]() |
ذكر الله |
الذكر باللسان: مفتاح الأعمال الصالحة
عند الحديث عن الذكر، قد يتبادر إلى الأذهان أن الأعمال الأخرى كالجهاد والإنفاق في سبيل الله قد تكون أكثر أهمية. فالإنفاق يعود بالنفع على الآخرين، والجهاد يعني بذل الروح، وهي أغلى ما يملكه الإنسان. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أوضح في حديث شريف أن ذكر الله أعظم من الإنفاق في سبيل الله وأعظم من الجهاد في سبيله. ففي حديث الترمذي عن أبي الدرداء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم…"، ثم ختم الحديث قائلاً: "ذكر الله".
الذكر باللسان له تأثير كبير في حياة المسلم، ويُعتبر بوابة لبقية الأعمال الصالحة. فالمسلم الذي لا يزال لسانه رطبًا بذكر الله، كما ورد في حديث عبد الله بن بسر، يفتح له الطريق إلى الصلاة وبر الوالدين وصلة الأرحام، لأن ذكر الله يحيي القلب ويعين على الاستقامة في كافة أمور الحياة.
الذكر بالقلب: الطريق إلى حياة مليئة بالرضا
ورغم أهمية الذكر باللسان، إلا أن الذكر بالقلب يُعد أسمى درجات الذكر. فذكر الله بالقلب يعني أن يكون الله دائمًا حاضرًا في ذهنك، مهما كانت الظروف والمواقف. الإنسان الذي يذكر الله بقلبه يكون دائمًا على تواصل مع خالقه، حتى لو لم يتحرك لسانه بالذكر. الله عز وجل يريد منا أن نتذكره كما نذكر آباءنا وأمهاتنا أو أشد، كما جاء في قوله تعالى: "فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرًا".
الذكر بالقلب هو أن تظل متذكرًا لله في كل تفاصيل حياتك، وهذا النوع من الذكر هو الذي يغير حياة الإنسان من الأساس. فعلى سبيل المثال، عندما يكون المسلم مقدمًا على فعل معصية ويتذكر الله، يمنعه هذا التذكر من ارتكاب المعصية. وقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي مسعود الأنصاري، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: "اعلم أبا مسعود، لله أقدر عليك منك عليه". فبمجرد أن تذكر الصحابي الله، امتنع عن المعصية وحرر عبده.
الذكر في مواجهة الفتن والمعاصي
الذكر يُعد الدرع الحصين الذي يمنع المسلم من الوقوع في المعاصي. فعندما يتذكر الإنسان ربه في لحظات الشدة أو عند إغواء الشيطان، فإنه يتمكن من التغلب على تلك الفتن. وقد جاء في الحديث الشريف عن الثلاثة الذين أُغلق عليهم الغار، أن أحدهم تذكر الله عندما كان على وشك الوقوع في معصية الزنا، وامتنع عنها بسبب تذكره لربه. وقد دفعه ذلك التذكر إلى الإخلاص في الدعاء حتى انفرجت عنهم الصخرة.
الذكر عند مشاهدة آيات الله
ذكر الله لا يقتصر على الأذكار اليومية، بل يمتد ليشمل كل ما يراه المسلم من آيات الله في الكون. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان دائم التذكر لله عندما يرى تغيرًا في الطبيعة أو عند حدوث أمر غير معتاد. ففي الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر وتغير وجهه". هذا التغير في تصرف النبي يدل على مدى استشعاره لعظمة الله وخوفه من عذابه عند رؤية أي تغير في الطبيعة.
الذكر عند النعم والخوف
واحدة من أهم لحظات الذكر هي عند حصول النعم أو عند الشعور بالخوف. في كلتا الحالتين، يذكرك الله بأن تعود إليه. في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يومًا جائعًا، والتقى بأبي بكر وعمر، فاستضافهم أبو الهيثم، وبعد أن أكلوا، قال النبي: "لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة". هنا، يظهر النبي لنا كيف أن ذكر الله في كل الأحوال، سواء عند الجوع أو عند الشبع، هو أمر ضروري لتحقيق الرضا والسكينة.
الذكر: سر حياة القلب
الذكر لا يقتصر على حركة اللسان فقط، بل هو حياة القلب. القلب الذي يذكر الله هو القلب الحي، أما القلب الذي يغفل عن ذكر الله فهو قلب ميت. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت". هذا التشبيه العظيم يوضح لنا أن ذكر الله هو الروح التي تحيي قلوبنا وتجعلها تنبض بالإيمان واليقين.
في الختام، نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. فالذكر هو سبيلنا إلى السعادة والرضا في الدنيا والآخرة، وهو ما نسعى جميعًا لتحقيقه. نذكركم بأن موقع راموس المصري Ramos Al-Masry يهدف إلى تقديم مقالات تساعدكم في الاقتراب من الله وتحقيق السكينة النفسية.