السعودية تخطو نحو المستقبل: كيف تُحول المملكة صناعة الألعاب والرياضات الإلكترونية إلى مركز عالمي بحلول 2030؟
في زمن باتت فيه التكنولوجيا والابتكار في صدارة أولويات الدول، لا يمكن إنكار أن صناعة الألعاب والرياضات الإلكترونية أصبحت من المحركات الاقتصادية والثقافية الكبرى على مستوى العالم. وفي هذا السياق، تبرز المملكة العربية السعودية كمثال فريد لرؤية استراتيجية واضحة نحو الريادة، عبر الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية التي تم إطلاقها عام 2022 ضمن إطار رؤية 2030. وتأتي هذه الخطوة الجريئة في إطار جهود شاملة لتحويل المملكة إلى مركز عالمي في هذا المجال، بما يتجاوز الأهداف التقليدية نحو بناء بنية تحتية متكاملة، خلق فرص عمل، جذب الاستثمارات، وتقديم قيمة حقيقية للشباب والمجتمع.
موقع راموس المصري (Ramos Al-Masry) يسلط الضوء في هذا المقال على أهم المحاور التي ترتكز عليها هذه الاستراتيجية، وأبرز المشاريع العملاقة، والبطولات العالمية، والتحولات الاقتصادية المرتبطة بها، بما يقدّم للقراء صورة متكاملة عن هذا التحول التاريخي.
![]() |
مستقبل الألعاب والرياضات الإلكترونية في السعودية: نحو مركز عالمي 2030. |
أولًا: بنية تحتية متكاملة تقود الثورة الرقمية
1. حي القدية للألعاب والرياضات الإلكترونية: مدينة المستقبل
من بين أهم المبادرات التي تم الإعلان عنها، يبرز حي القدية كأول منطقة في العالم مخصصة للألعاب والرياضات الإلكترونية، وذلك ضمن مشروع ضخم تبلغ قيمته الإجمالية نحو 350 مليار دولار.
يمثل الحي نموذجًا عالميًا فريدًا للمدن الذكية التي تدمج بين الترفيه والتقنية، ويحتوي على استادات رياضية متخصصة، ومساحات للبث المباشر، ومتاجر إلكترونية، وقاعات للمسابقات، مما يجعله بيئة متكاملة للاعبين المحترفين والهواة، وكذلك للجمهور المحلي والعالمي.
وفي مايو 2024، عززت المملكة جهود تنفيذ المشروع من خلال استحواذ شركة القدية للاستثمار على شركة SEVEN، لتسريع عمليات التطوير، بما يشمل الاستاد الرياضي المخصص لكأس العالم 2034. هذه الخطوة تؤكد الجدية في التنفيذ والرغبة في تجاوز أي تأخيرات سابقة لضمان تسليم المشروع ضمن الإطار الزمني المحدد.
2. نيوم: واحة الابتكار والإبداع
في الجهة الشمالية الغربية من المملكة، تقف نيوم كرمز لرؤية سعودية تتحدى الحدود التقليدية للتنمية. وضمن خطط التحول الرقمي، بدأت نيوم في تأسيس حرم متكامل للتطوير الإبداعي والابتكار في الألعاب الإلكترونية، يستهدف استقطاب الشركات الناشئة، والمطورين، والمواهب من مختلف أنحاء العالم.
تُقدّر القيمة السوقية الحالية لصناعة الألعاب في المنطقة بنحو 6 مليارات دولار، وتعمل نيوم على تضخيم هذه القيمة عبر برامج تعليمية وتدريبية مثل:
أكاديمية نيوم للرياضات الإلكترونية: تهدف لتأهيل اللاعبين الناشئين والمبدعين في صناعة المحتوى الاحترافي.
برنامج Level Up Accelerator: المدعوم من ديجي بن KSA، والذي يستقبل حتى مايو 2025 الدفعة الثالثة من الشركات الناشئة الراغبة في دخول عالم الألعاب بقوة.
هذه المبادرات تضمن توليد بيئة إبداعية تحتضن الابتكار، وتحفز الشباب على تحويل شغفهم بالألعاب إلى مهنة مستدامة.
ثانيًا: بطولات عالمية تضع السعودية على الخريطة الدولية
1. كأس العالم للرياضات الإلكترونية: بداية جديدة بعد Gamers8
شهد عام 2024 انطلاق أول نسخة من كأس العالم للرياضات الإلكترونية كخليفة لمهرجان Gamers8 الشهير، واستضافت الرياض البطولة ضمن منطقة "بوليفارد سيتي" بالعاصمة، بمشاركة 21 لعبة في أربع قوائم تنافسية.
ولكن اللافت للنظر هو أن النسخة القادمة في صيف 2025 ستكون الأضخم عالميًا، بجائزة مالية ضخمة تبلغ 70 مليون دولار تشمل 24 لعبة، منها "فالورانت" و"الشطرنج". كما خُصصت 25 مليون دولار لدعم أندية الرياضات الإلكترونية، مما يفتح الباب واسعًا أمام احتراف اللاعبين وتطور البنية التنافسية محليًا وعالميًا.
2. الألعاب الإلكترونية الأولمبية: شراكة تاريخية مع اللجنة الأولمبية الدولية
في خطوة تعكس اعترافًا عالميًا بمكانة المملكة، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية شراكة مع السعودية تمتد 12 عامًا، تتضمن استضافة النسخة الأولى من الألعاب الإلكترونية الأولمبية في عام 2025.
هذه الشراكة تشكل نقلة نوعية في العلاقة بين الرياضات التقليدية والرياضات الإلكترونية، وتفتح الأبواب أمام دمج هذه الأخيرة ضمن منظومة الأولمبياد الرسمية، ما يعزز من شرعيتها وانتشارها عالميًا.
3. مؤتمرات ومعارض تدعم الصناعة
إلى جانب البطولات، تستعد الرياض لاستضافة عدد من المؤتمرات والمعارض الرائدة في مجال الألعاب:
Global Games Show في يونيو 2025، بتنظيم من VAP Group وTimes of Games، بمشاركة أكثر من 200 شركة و5,000 زائر.
منافسات ESL Saudi Challenge، والتي تعود بنسختين في مايو وديسمبر 2025، كجزء من شراكة طويلة الأمد مع ESL FACEIT Group لدعم البيئة المحلية.
هذه الفعاليات ليست فقط للعرض، بل توفر منصات حقيقية لتبادل الأفكار، والعروض التوضيحية، والتعاون بين اللاعبين والمطورين والمستثمرين.
ثالثًا: شراكات واستثمارات استراتيجية تُعزز من الاستدامة
لم تكتفِ المملكة بالمشاريع الداخلية، بل وسّعت نطاق تأثيرها عبر شراكات استراتيجية واستثمارات ضخمة:
Savvy Games Group وقعت مذكرة تفاهم مع الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية لدعم تنفيذ مبادرات رؤية 2030، وتعزيز منظومة الصناعة محليًا.
صندوق الاستثمارات العامة استحوذ على قطاع ألعاب Niantic عبر صفقة بلغت 3.5 مليارات دولار من خلال شركة Scopely، ما يضع المملكة في قلب سوق الألعاب المحمولة العالمي.
هذه الخطوات لا تعكس فقط رؤية استثمارية دقيقة، بل تؤكد أن السعودية ترى في هذه الصناعة مستقبلًا طويل الأمد ومصدرًا فعّالًا للتنويع الاقتصادي.
رابعًا: الأثر الاقتصادي وتطلعات المستقبل
بحسب توقعات شركة PwC، من المتوقع أن يُسهم سوق الألعاب والرياضات الإلكترونية في المملكة بأكثر من 13.3 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، وهو رقم ضخم يعكس مدى الطموح والواقعية في آنٍ واحد.
ولا يتوقف الأثر عند العائدات المالية، بل يمتد إلى خلق أكثر من 39,000 وظيفة مباشرة، وتشجيع الشباب على دخول مجالات جديدة تشمل:
- تطوير البرمجيات
- تصميم الألعاب
- التسويق الرقمي
- تحليل البيانات
- إنتاج المحتوى
فضلًا عن ذلك، فإن هذه التحركات تستقطب السياحة الترفيهية والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهو ما يجعل من هذا القطاع أحد الأعمدة الجديدة للاقتصاد السعودي.
السعودية في مصاف الدول الثلاث الأولى عالميًا من حيث عدد اللاعبين المحترفين
أحد أبرز أهداف الاستراتيجية الوطنية هو الوصول بالمملكة إلى مصاف أكثر ثلاث دول عالميًا من حيث عدد اللاعبين المحترفين، وهذا ما تسعى إليه عبر الاستثمار في التدريب، والبطولات، والبنية التحتية، والدعم المالي والمؤسسي.
ليس الهدف فقط تحويل اللاعبين إلى محترفين، بل تحويل البيئة السعودية كلها إلى نظام بيئي عالمي للألعاب الإلكترونية يمكنه التنافس على أعلى المستويات.
الخاتمة: السعودية ترسم ملامح المستقبل من خلال صناعة الألعاب
إن ما يحدث في المملكة العربية السعودية في مجال الألعاب والرياضات الإلكترونية هو أكثر من مجرد تحرك حكومي أو مشروع اقتصادي، بل هو إعادة رسم للمشهد الثقافي والاقتصادي والتقني في المنطقة.
من حي القدية إلى نيوم، ومن كأس العالم للرياضات الإلكترونية إلى الألعاب الأولمبية الرقمية، ومن الشراكات العالمية إلى التدريب المحلي، تُظهر المملكة التزامًا واضحًا وفعالًا بتحقيق رؤية 2030 وتحويل الأحلام إلى واقع ملموس.
في هذا المشهد الملهم، لا يسعنا إلا أن نُشيد بما تقدمه المملكة من نموذج يحتذى به في توظيف التكنولوجيا والإبداع لبناء مستقبل أكثر إشراقًا. وهنا على موقع راموس المصري (Ramos Al-Masry)، نؤمن أن هذه الخطوة تمثل بداية فصل جديد في تاريخ الصناعة الرقمية، ليس فقط في السعودية، بل في العالم العربي بأسره.
هل أنت مستعد لأن تكون جزءًا من هذا المستقبل؟