هل خطر ببالك يومًا أن كرة التنس الصغيرة التي تتنقل بين مضربين يمكن أن تتحول إلى محرك اقتصادي يضخ مليارات الريالات في اقتصاد دولة؟ في السعودية، لم يعد التنس مجرد لعبة يمارسها عدد محدود من الهواة أو نخبة الرياضيين، بل أصبح مشروعًا اقتصاديًا ضخمًا يفتح آفاقًا جديدة للاستثمار، السياحة، الوظائف، والصناعة ككل.
![]() |
ملعب تنس مضاء بألوان زاهية. |
بداية التحول: من الرعاية إلى التملك
لسنوات طويلة كان دور السعودية في التنس مقتصرًا على الرعاية والدعم المالي المحدود، لكن الاستراتيجية الجديدة وضعت المملكة في مكان مختلف تمامًا. لم يعد الأمر مجرد رعاية لبطولة أو حدث، بل تحول إلى شراكات استراتيجية وتملك مباشر لحقوق تنظيم وإدارة البطولات الكبرى. هذا التوجه الجديد جعل من المملكة لاعبًا رئيسيًا في الاقتصاد الرياضي، وليس مجرد متفرج أو داعم.
الأرقام تكشف حجم النمو
حين نلقي نظرة على الأرقام، ندرك حجم التغير السريع. فعدد اللاعبين المسجلين ارتفع من حوالي 1,500 لاعب عام 2019 إلى أكثر من 2,300 لاعب عام 2023، بزيادة تقارب 46%. وفي الوقت نفسه، تضاعف عدد مدارس التنس من 15 مدرسة إلى 90 مدرسة، نصفها تقريبًا مخصصة للفتيات. هذه القفزات السريعة تعني أن الرياضة لم تعد نشاطًا ترفيهيًا، بل أصبحت قطاعًا يولد فرص عمل واستثمار في التعليم والتدريب والكوادر البشرية.
برنامج "التنس للجميع": صناعة تبدأ من المدارس
من أبرز المبادرات التي غيرت المشهد برنامج "التنس للجميع". انطلق البرنامج في المدن الكبرى ليستهدف آلاف الطلبة سنويًا، حتى وصل في 2024 إلى نحو 290 مدرسة تضم أكثر من 72 ألف طالب. والخطة المستقبلية تستهدف 400 مدرسة في 10 مدن بحلول 2025. هذا التوسع يعني أن البنية التحتية تتسع، والمدربين يتضاعفون، والمعدات تنتشر، لتتشكل سلسلة اقتصادية تبدأ من المدرسة وتنتهي بالبطولات الدولية.
البطولات الكبرى: مكاسب تتجاوز الرياضة
استضافة الرياض لنهائيات رابطة محترفات التنس بجوائز قياسية بلغت 15 مليون دولار كانت لحظة فارقة. فالأمر لم يتوقف عند الجوائز أو المنافسات، بل انعكس على السياحة والفنادق والمطاعم والنقل. ارتفعت نسب الإشغال الفندقي بنحو 40% خلال البطولة، وعُقدت مئات الشراكات بين الشركات المحلية والعالمية. هذا يعني أن كل بطولة كبرى تُنظم في المملكة تتحول إلى "مهرجان اقتصادي" يشمل كل القطاعات.
بطولة "القدية ماسترز": الحدث المرتقب
الخطوة التالية أكثر طموحًا: بطولة "القدية ماسترز" المقررة في 2027، والتي ستكون أول بطولة من فئة الألف نقطة في الشرق الأوسط. هذا سيجعل السعودية محطة إلزامية للاعبي التنس العالميين، ويضعها في قلب خريطة التنس الدولية. التوقعات تشير إلى إيرادات سنوية تتجاوز 500 مليون ريال من السياحة والإعلام والرعاية. إنها ليست بطولة وحسب، بل منصة عالمية تضع المملكة في صدارة اقتصاد التنس.
الوظائف وفرص العمل: أثر مباشر على الشباب
من أبرز نتائج الاستثمار في التنس توفير فرص عمل متنوعة. من مدربين وإداريين إلى خبراء تسويق وإعلاميين، ومن موظفي الفنادق إلى منظمي الأحداث. تشير بعض التقديرات إلى أن كل بطولة دولية كبرى تستضيفها السعودية تخلق أكثر من ألفي وظيفة مباشرة وغير مباشرة. وهذا يعني أن الشباب السعودي يجد أمامه أبوابًا جديدة للعمل في مجال لم يكن متاحًا بهذه القوة من قبل.
الابتكار والتقنية: بعد جديد في اللعبة
الرياضة الحديثة لا تنفصل عن التقنية. والسعودية أدركت هذا مبكرًا عبر الاستثمار في منصات تحليل بيانات اللاعبين وتطوير التطبيقات المخصصة لتدريب التنس. منصات مثل "ATP Tennis IQ" تتيح للاعبين حول العالم استخدام البيانات المتقدمة لتحسين أدائهم، وهو ما يفتح الباب أمام شركات التقنية السعودية لتصبح جزءًا من الاقتصاد الرياضي العالمي.
السياحة الرياضية: لاعب رئيسي في الرؤية 2030
لا يمكن إغفال دور التنس في دعم قطاع السياحة. فالسائح الذي يأتي لحضور بطولة كبرى لا يكتفي بمشاهدة المباريات، بل ينفق على الفنادق والمطاعم والتسوق والترفيه. ومع تنامي مكانة السعودية كوجهة رياضية عالمية، فإن السياحة الرياضية ستصبح من أهم محركات الاقتصاد المحلي، خصوصًا أن المملكة تستهدف رفع مساهمة السياحة إلى 10% من الناتج المحلي بحلول 2030.
البنية التحتية: استثمار للمستقبل
من أجل بناء اقتصاد مستدام للتنس، لا بد من بنية تحتية قوية. ولهذا يجري العمل على إنشاء مجمعات ضخمة تضم ملاعب عالمية ومراكز تدريب متطورة. مشروع مجمع القدية للتنس مثال واضح على ذلك، بتكلفة تتجاوز المليار ريال. هذه المنشآت لا تُبنى للمنافسات فقط، بل لتكون مراكز جذب سياحي وتدريبي على مدار العام.
الشراكات الاستراتيجية: سر النجاح
نجاح النموذج السعودي يقوم على الشراكات الاستراتيجية الذكية، سواء مع اتحادات التنس العالمية أو مع شركات التقنية والإعلام. هذه الشراكات تضمن للمملكة حضورًا طويل المدى، وتسمح بنقل الخبرات والمعرفة، ما يعزز قدرة الكوادر المحلية على إدارة الأحداث بكفاءة عالمية.
توطين الكوادر: صناعة بشرية قبل أن تكون مالية
وراء كل بطولة ومجمع رياضي برامج تدريب وإعداد للكوادر المحلية. الاتحاد السعودي للتنس يستثمر مبالغ ضخمة في تأهيل المدربين والإداريين، بالتعاون مع أكاديميات عالمية. الهدف ليس فقط جلب البطولات، بل أيضًا تكوين جيل من المحترفين السعوديين القادرين على الاستمرار بعد سنوات.
الصناعة المرتبطة بالتنس: أكثر من مضرب وملعب
اقتصاد التنس لا يتوقف عند حدود الملعب. هناك صناعة كاملة تشمل تصنيع الكرات والمضارب والملابس والمقاعد الخاصة بالملاعب. شركات محلية وإقليمية بدأت بالفعل في الاستثمار بمجال المعدات الرياضية، لتخلق قيمة مضافة وفرص عمل جديدة.
الإعلام والترفيه: محتوى مربح
البطولات الكبرى تجذب الإعلام العالمي، والحقوق التلفزيونية والرقمية تتحول إلى مصدر دخل ضخم. شركات الإنتاج المحلية بدأت تستثمر في إنتاج برامج تحليلية وأفلام وثائقية عن التنس في السعودية، ما يجعل من الرياضة منتجًا إعلاميًا يتجاوز قيمته الملعب إلى الشاشات والمنصات.
الدروس المستفادة: رؤية شاملة لبناء صناعة
تجربة السعودية في التنس تعكس دروسًا مهمة لأي مستثمر أو متابع: النجاح لا يأتي من حدث واحد أو بطولة واحدة، بل من بناء منظومة متكاملة. من المدارس إلى البطولات، من المرافق إلى الإعلام، ومن التدريب إلى الشراكات، كل حلقة مترابطة تصنع سلسلة اقتصادية متينة.
مستقبل التنس في السعودية: الفرص لا تتوقف
الخطط المستقبلية تستهدف إلهام مليون شخص لممارسة التنس بحلول 2030. هذا يعني أن سوق التدريب، المعدات، الإعلام، والسياحة سيظل يتوسع بشكل كبير. لكل رائد أعمال أو مستثمر، هذه إشارة واضحة أن الفرصة موجودة الآن، وأن الرياضة لم تعد مجرد منافسة على الملعب، بل صناعة حقيقية تُبنى لبناء اقتصاد متنوع ومستدام.
أسئلة شائعة حول اقتصاد التنس في السعودية
كيف ساهمت البطولات العالمية في تعزيز مكانة التنس في السعودية؟
استضافة البطولات الكبرى مثل نهائيات رابطة محترفات التنس وضعت السعودية على الخريطة العالمية، وساهمت في جذب الجماهير، الرعاة، والسياح، ما انعكس إيجابًا على الاقتصاد.
ما تأثير برنامج "التنس للجميع" على انتشار اللعبة بين الشباب؟
البرنامج فتح أبواب المدارس أمام التنس، فرفع عدد الممارسين بشكل ملحوظ، وعزز الاهتمام بالرياضة بين الطلاب، ليخلق جيلًا جديدًا من اللاعبين والمهتمين.
كيف انعكس الاستثمار في البنية التحتية للتنس على الاقتصاد المحلي؟
بناء ملاعب ومجمعات حديثة خلق وظائف مباشرة في الإنشاء والتشغيل، كما عزز من فرص التدريب والسياحة، ما أدى إلى تحريك قطاعات خدمية وتجارية مرتبطة.
ما دور السياحة الرياضية في زيادة عوائد بطولات التنس؟
السياحة الرياضية جلبت مشجعين من خارج المملكة، ما رفع نسب إشغال الفنادق، زاد من الإنفاق في المطاعم والمتاجر، وأعطى دفعة قوية لقطاع الضيافة.
كيف أسهمت الشراكات الدولية في تسريع نمو اقتصاد التنس السعودي؟
عبر التعاون مع اتحادات التنس العالمية، حصلت السعودية على خبرات تنظيمية وتقنية، مما ساعد في تسريع وتيرة النمو وضمان استدامة التطوير.
ما أهمية تدريب الكوادر المحلية لبناء صناعة تنس مستدامة؟
إعداد مدربين وإداريين سعوديين يضمن استمرار صناعة التنس داخليًا دون الاعتماد الكامل على الخبرات الخارجية، ويمنح الشباب فرص عمل طويلة الأمد.
كيف تساهم صناعة معدات التنس والإعلام الرياضي في تكوين سلسلة اقتصادية متكاملة؟
التوسع في تصنيع المعدات والملابس الرياضية محليًا يوفر قيمة مضافة، بينما إنتاج محتوى إعلامي متخصص يعزز من شهرة البطولات ويرفع من عوائد البث والإعلانات.