مرّت سنواتٍ وأنا في نفس الدائرة، أحاول وأفشل وأحاول من جديد. في كل مرةٍ كنت أقول لنفسي: "هذه هي المحاولة الأخيرة، هذه المرة سأربح من الإنترنت، هذه المرة سأنجح وأكسر الحاجز". ولكن سرعان ما يتبدد هذا الأمل ويتحوّل إلى إحباط جديد يُضاف إلى إحباطاتي القديمة.
حاولتُ أن أخفي ضعفي وإخفاقاتي عن الناس، فكثيرٌ منهم كان يراني شخصًا ذكيًا، مُجدًّا، يملك كل المقوّمات للنجاح. ولكنّ الحقيقة كانت عكس ذلك، كنت أشعر في داخلي بأنني لا أتحرّك من مكاني، وأن العالم من حولي يتحرك بسرعةٍ هائلةٍ وأنا عاجزٌ عن مواكبته.
ذات مساءٍ جلست أمام شاشة الحاسوب، كتبت في محرّك البحث: "كيف أربح المال من الإنترنت؟" وكالعادة ظهرت أمامي مئات النتائج التي سبق وأن قرأتها عشرات المرّات، حفظتها عن ظهر قلب: "كن مصمّمًا، تعلّم البرمجة، أنشئ قناةً على اليوتيوب، كُن كاتب محتوى…". صرت أشعر وكأن الإنترنت يسخر مني. لم تعد هذه النتائج تقدّم لي حلاً، بل أصبحت سببًا في شعوري باليأس، وتكرار السؤال زاد من شعوري بالعجز.
سألت نفسي: "ما الذي أريده حقًا؟ أهو المال فقط، أم أنّني أبحث عن شيءٍ أعمق من ذلك؟". لم تكن الإجابة سهلة، لم أكن أعرف ماذا أريد، كنت فقط أريد أن أثبت لنفسي أنني قادر، أنني لست عاجزًا، وأنه بإمكاني أن أحوّل هذه الجهود المبذولة إلى نجاحٍ حقيقي.
حين أتأمّل السنوات الماضية أدرك أن مشكلتي الحقيقية كانت في التشتّت والعشوائيّة. أردتُ أن أربح المال بسرعة، بلا صبر ولا تخطيط، أردت النتائج السريعة. جربتُ كل شيء، قليلًا من التصميم، قليلًا من الكتابة، قليلًا من التجارة الإلكترونية، ولكنّني لم أتقن شيئًا على الإطلاق.
أعلم أنّ الكثيرين منكم يشعرون مثلي، أعرف معنى الإحباط، أعرف ذلك الشعور القاتل بأنّك تبذل جهدًا مضاعفًا ولكن بلا نتائج. الإحساس بالعجز، وأن الآخرين أفضل منك لأنّهم استطاعوا أن يصلوا، بينما أنت ما تزال واقفًا مكانك، لا تُحرز تقدّمًا ولا تغييرًا.
ثم جاء ذلك اليوم الذي قرّرت فيه أن أتوقّف. توقفتُ عن كل شيء، توقفتُ عن الركض وراء المال، وتوقفت عن السعي العشوائي الذي لم يقدني إلا إلى مزيدٍ من الألم النفسي. سألتُ نفسي بصدق: "ماذا تحب أن تفعل؟ ما هو الشيء الذي يمكنك الاستمرار فيه دون أن تشعر بالملل؟".
في لحظة صدقٍ حقيقي مع نفسي أدركتُ أنني أحبُّ الكتابة. الكتابة عن الحياة، عن مشاعري، عن رحلتي الطويلة المليئة بالأحلام والخيبات. شعرتُ أنني كلما كتبت تخلصت من أثقال كثيرة كانت على صدري. كانت الكتابة تُشعرني بأنني حيّ، وأن لديّ شيئًا ذا قيمةٍ لأقدّمه للآخرين.
أدركتُ فجأة أنّني كنت أنظر إلى الربح من الإنترنت بطريقةٍ خاطئة. لم يكن الهدف أن أجد شيئًا يُدرُّ عليَّ الأموال فقط، بل أن أجد شيئًا يجعلني أشعر بالرضا والسعادة. شيءٌ يجعلني أستيقظ صباحًا وأنا أتشوّق للعمل عليه.
قررتُ أن أتوقّف عن محاكاة تجارب الآخرين، وعن تقليد نجاحاتهم التي قد لا تناسبني، وأن أبدأ في خلق تجربتي الخاصّة. قررتُ أن أركز على شيءٍ واحد فقط، هو الذي أحبُّه وأجيده، وأتقنه تدريجيًا مع الوقت، بدلًا من القفز بين المجالات دون استقرار.
وبالفعل، عندما بدأت التركيز، بدأ كل شيءٍ في حياتي يتغيّر. أدركتُ أنني كنت في دوامةٍ من الأفكار المغلوطة، وأنني من كنتُ أمنع نفسي من النجاح الحقيقي. أدركتُ أنه كان عليَّ أن أؤمن بنفسي أولًا قبل أن أؤمن بالربح من الإنترنت.
التغيير لم يكن سهلًا، أحيانًا كنت أعود للتشكيك بنفسي من جديد، ولكنني كنت مصرًا على أن أكسر الدائرة، وأن أثبت لنفسي قبل الجميع أنني قادرٌ على تحقيق ما أريد.
اكتشفتُ أيضًا أنّ النجاح الحقيقي لا يأتي بسرعة، ولا بسهولة. النجاح هو رحلة طويلة من المحاولة والتعلّم والصبر. رحلة من التجارب التي قد تفشل كثيرًا، لكنها في النهاية تُعلّمك وتجعلك أكثر قوةً وحكمة.
الآن وأنا أكتب هذه الكلمات، أشعر بأنني أقرب إلى نفسي من أي وقتٍ مضى. أشعر بأنني فهمت سرّ النجاح الحقيقي، إنه ليس المال وحده، ولا الشهرة، وإنما هو شعور داخلي عميقٌ بأنك تؤدي دورك في هذه الحياة كما ينبغي، وأنك لست مضطرًا لأن تقلّد الآخرين كي تنجح.
أكتبُ لكم هذه الكلمات اليوم وأنا في بداية طريقي الحقيقي، وقد اكتشفتُ أخيرًا أن المال لن يأتي إلا حين تحب ما تفعل، وحين تخلص له، وتؤمن به. ربما أكون تأخرت في إدراك هذه الحقيقة، ولكنني ممتنٌ جدًا أنني أدركتها أخيرًا.
أريد أن أقول لكل من يقرأ هذه الكلمات ويشعر بما شعرت به من قبل: توقّف قليلًا، انظر بصدقٍ في داخلك، اسأل نفسك: "ما الذي أحبّه حقًا؟" ثم ركّز عليه بكل قوتك. ابتعد عن العشوائية، وابدأ في وضع خطوات واضحة نحو ما تحب.
أعدُك أنك حين تفعل ذلك، لن تبحث أنت عن النجاح، بل هو الذي سيبحث عنك. وأعدُك أيضًا أنك ستشعر حينها بأنك قد ولدتَ من جديد.