أخاف أن أتزوج واحدة…
أخاف أن أتزوج واحدة لا تعرف معنى الخصوصية، واحدة لا تفهم قدسية الأسرار، ولا تحفظ حرمة البيوت، واحدة تحكي مشاكلنا لأمها، لصديقتها، وحتى على فيسبوك، واحدة لا تؤمن أن ما بين الزوجين لا يخرج حتى من الباب.
هذا ما يخيفني حقًا، أخاف من امرأة لا تحترم خصوصية روحين قررتا أن تكونا واحدًا، امرأة لا تقدّر أن البيوت أسرار، وأن الجدران التي تحيط بنا تحمينا من عيون الناس وكلماتهم وتدخلاتهم. أخاف أن تصير حياتي مجرد حكاية تلوكها ألسنة الناس في مجالسهم، أو مجرد "بوست" عابر يتسلى به الآخرون على وسائل التواصل الاجتماعي.
ليس الأمر مجرد خوف عابر، بل هو هاجس يؤرقني كلما اقتربت من فكرة الزواج، لأنني أعلم أن الحياة الزوجية ليست سهلة، وأن المشكلات طبيعية وتحدث في كل بيت، لكن ما هو غير طبيعي أن تصبح هذه المشاكل موضوعًا عامًا، أن تتحول إلى مادة للترفيه أو النميمة، أو حتى إلى شكوى معلنة تستجدي التعاطف والتأييد.
لا أتخيل نفسي عائدًا إلى بيتي بعد يوم طويل من التعب والجهد، لأجد زوجتي قد حوّلت مشاجرتنا الصغيرة إلى حديث مع أمها، إلى مادة للدردشة مع صديقاتها، وربما تكون قد نشرتها على الملأ في مواقع التواصل الاجتماعي. كيف سأشعر بالأمان في بيت مثل هذا؟ كيف سأطمئن إلى امرأة لا ترى أن الستر هو أساس كل علاقة ناجحة؟
الأمان هو أثمن ما يمكن أن تقدمه العلاقة الزوجية، أن أشعر بأن لدي شريكة تحميني، تحمي ضعفي وأخطائي قبل قوتي وصوابي، شريكة تعرف متى تتكلم ومتى تصمت، متى تحكي ومتى تحتفظ بالأسرار، امرأة تحافظ على كرامتي قبل كل شيء، لأن الكرامة هي أساس الحب وأساس الاحترام.
ليس خوفًا من الناس وحدهم، بل خوفًا من شعور الغربة بيني وبين من اخترتها لتكون أقرب إليّ من نفسي، أن أرى أسراري تخرج من بيتي وأنا عاجز عن ردّها، أن أرى حياتي الخاصة تُعرَض على مسرح مفتوح، وأنا أقف متفرجًا لا أملك سوى الحزن والشعور بالخذلان.
لست مثاليًا ولا أبحث عن المثالية، ولكنني أبحث عن الصدق، عن الإخلاص، عن امرأة تؤمن أن مشاكلنا تُحل بين جدران بيتنا فقط، دون تدخل خارجي، ودون استجداء المشورة من الجميع إلا منا. أبحث عن واحدة تؤمن أن الخصوصية لا تُجزّأ، وأن حياتنا ليست حقل تجارب لنصائح الآخرين وتجاربهم الخاصة، والتي قد لا تشبه ظروفنا أبدًا.
أحيانًا أجد نفسي أفكر: هل هذه المرأة موجودة حقًا؟ هل هناك امرأة تملك الحكمة الكافية، والثقة الكافية، والصبر الكافي لتحتفظ بكل ما يحدث بيننا، ليبقى بيتنا بيتًا آمنًا، بعيدًا عن عيون المتطفلين؟
أعلم أن الكثيرين يستخفون بهذا الأمر، ويقولون إنه طبيعي أن تشارك المرأة مشاكلها مع المقربين منها، لكن الأمر في قلبي مختلف تمامًا. أنا أراه مسألة احترام، مسألة تقدير حقيقي لمعنى البيت، لمعنى الأسرة. أراها قضية مبدأ لا يمكن التنازل عنه، قضية كرامة لا يمكن أن أتجاهلها مهما حاولت.
وربما خوفي هذا نابع من تجارب شاهدتها بنفسي، بيوت تدمرت بسبب انعدام الخصوصية، أسر انتهت لمجرد أن الزوجة لم تفهم معنى الستر، ولم تستطع أن تحفظ سر زوجها أو مشاكلهما داخل جدران بيتهما. رأيت كم هو مؤلم أن يصبح الرجل غريبًا عن زوجته، غريبًا في بيته، فقط لأن الخصوصية لم تكن جزءًا من أخلاقيات هذا البيت.
هذا ما يجعلني أكثر ترددًا وأكثر خوفًا، حتى أصبحت أشعر وكأنني أبحث عن شيء نادر، عن شيء استثنائي في زمن اعتاد الناس فيه نشر خصوصياتهم، وكأن الحياة الزوجية مجرد مسلسل يومي يشاهده الآخرون ويعلقون عليه دون أي مراعاة لخصوصية أو احترام.
أريد أن أبني بيتًا هادئًا، بيتًا يكون ملاذي من صخب العالم، يكون راحتي التي لا أجدها في مكان آخر، أريد امرأة تفهم جيدًا أن ما بيننا لا يخرج أبدًا، امرأة تفهم أن الخصوصية ليست مجرد كلمة، بل هي نهج حياة.
أريد أن أعود إلى بيتي وأعرف أنه بيتي حقًا، أن أدخله وأنا واثق أنه لا أحد يعرف ماذا حدث فيه بالأمس، أن أجلس مع زوجتي وأتكلم معها وأنا مطمئن أن حديثي سيبقى هنا، سيبقى بيننا فقط، لأن الثقة التي تُكسر مرة واحدة لا تعود كاملة مرة أخرى أبدًا.
أخاف من تلك التي لا تدرك أن الثقة شيء مقدس، شيء لو ضاع لا يمكن استعادته بسهولة، شيء يحتاج سنوات ليبنى، ويمكن أن يُهدم في لحظة واحدة من ضعف أو تسرع أو اندفاع.
كم أتمنى أن ألتقيها يومًا، تلك المرأة التي تعرف جيدًا قيمة السر، التي تؤمن أن ما بين الزوجين لا يخرج خارج أسوار المنزل، وأن الخصوصية ليست رفاهية بل ضرورة، وأن الستر هو أهم ركن في نجاح العلاقة.
هذا كل ما أريده، ربما يبدو بسيطًا للبعض، لكنه في نظري هو كل شيء، لأنني أدرك جيدًا أن الحياة ستختبرنا كثيرًا، ستضعنا في مواقف صعبة، وستخلق لنا تحديات كبيرة، وأعلم أن تجاوز كل هذه العقبات سيكون سهلًا فقط إذا كانت شريكتي تؤمن معي بأن الستر هو الدرع الأول لنجاحنا.
لذلك سأظل خائفًا حتى أجدها، حتى أجد تلك التي تطمئن لها نفسي وروحي، تلك التي تجعلني أثق تمامًا أن بيتي هو بيتي، وأن خصوصيتي مصانة، وأن أسراري محفوظة في قلب امرأة أحبها، امرأة تؤمن معي أن ما بيننا لا يخرج من باب البيت أبدًا.