هل يستطيع النبي محمد ﷺ أن يتنبأ بنتيجة معركة حربية ستحدث بعد سبع أو ثماني سنين، ويحدد من الذي سينتصر، ومن الذي سيهزم، وما الذي يجعله يدخل في قضية غيب كهذه، وكيف يخبر الكفار بما تخفيه صدورهم .. ولم تهمس به شفاهم .. ويقول لأعداء الإسلام ما سيقع لهم، ويتحدى في قضايا الغيب .. وماذا كان يمكن أن يحدث لقضية الإيمان كله لو لم يصدق القرآن في كل حرف قاله!! ولكن القائل الله والفاعل هو الله.
القرآن الكريم: هو كلام الله المنزل على رسوله النبي محمد ﷺ والمتعبد بتلاوته والمتحدي به، والقرآن يحمل أكثر من معجزة .. تحدى به العرب أولاً، ثم تحدى به الانس والجن .. لم يتحدى به الله الملائكة لأن الملائكة ليس لهم اختيارات ليعلموا بها! أي أنهم يفعلون ما يؤمرون به من الله فقط.
ومن هنا فإن القرآن يتحدى كل القوى المختارة أو التي لها اختيار .. التي ميزها الله بقدرة العقل والفكر والاختيار.
وقبل أن نتحدث عن معجزة القرآن «يجب» أن نحدد معنى كلمة معجزة!
حين يأتي إنسان ويقول أنه رسول من عند الله جاء ليبلغ بمنهجه .. انصدقه؟ .. أم أننا نطالبه بإثبات ما يقول؟!
إذن كان لابد أن تجئ مع كل رسول معجزة تثبت صدقه في رسالته وفي بلاغه من الله، وأن تكون المعجزة مما لا يستطيع أحد أن يأتي به، وأن تكون أيضاً مما نبغ فيه قومه .. لماذا؟
حتى لا يقال أن الرسول قد تحدى قومه بامر لا يعرفونه! ولا موهبة لهم فيه!.. فالتحدي يجب أن يكون في أمر نبغ فيه القوم حتى يكون للتحدي قيمة..
ولذلك نلاحظ في معجزة كل رسول انها جاءت فيما نبغ فيه قومه، وانها جاءت لتهدم من يتخذونه الها من دون الله.
فمثلا معجزة سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام جاءت في قوم يعبدون الأصنام، ويسجدون لها ويقدسونها، ولذلك عندما أرادوا احراق (ابراهيم) جاءوا به أمام آلهتهم ليلقونه في النار، وكان المفروض أن هذه الآلهة تنتقم لنفسها ممن حطمها اذا كانت تستطيع لنفسها نفعا أو ضرا، ولكنهم القوا بابراهيم الذي سفه معتقداتهم في النار ولم تحرقه النار، وخذلتهم آلهتهم.
على ان اختيار النار يمكن أن يكون له معنى آخر.. فكم من الناس عبدوا النار في الماضي.. حتى خلال هذه الفترة نجد أن بعض الناس لا يزالون يتخذون النار الها مقدسا.
ولكن معجزة إبراهيم ليست ان ينجوا من النار.. فلو أراد الله سبحانه وتعالى ان ينجيه من النار ما مكنهم من إلقاء القبض عليه أو لنزلت الأمطار لتطفئ النار.. ولكن الله شاء أن تظل النار ناراً متأججة .. محرقة، مدمرة .. وان يؤخذ ابراهيم عيانا أمام كل الناس، ويرمى في النار، وهنا يعطل ناموس أو قانون احراقها (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم).
لو أن ابراهيم نجا بأن هرب مثلاً لقالوا لو أمسكناه لأحرقناه!
ولو نزلت الأمطار لقالوا لو لم تنزل الأمطار لأحرقناه!
ولكن ابراهيم لم يهرب، والأمطار لم تنزل، والنار متأججة .. ولكنها لم تحرق سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. فكان آلهتهم التي كانوا يزعمون انهم ينتقمون لها .. ليست آلهة كما يزعمون!! إنما هي أصنام لا تضر ولا تنفع 👌🏻
وكل شيء في هذا الكون خاضع لمشيئة الله الملك جل جلاله وإرادة الله عندما تقول (يا نار كوني بردا وسلاما) تتعطل خاصية الإحراق وتقف قوانين الكون عاجزة أمام قدرة الله .. وتقف آلهتهم عاجزة على أن تقول: يا نار 🔥 أحرقي من حطمنا.
وسيدنا عيسى عليه السلام جاء والقوم يعلمون الطب فجاء لهم بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه (فأبرأ الأكمه والأبرص، وتسامى إلى شيء آخر لم يصلوا هم اليه «فأحيا الموتى»).
اذن فمعجزات الرسل هي خرق لقوانين الكون فالنار مع ابراهيم تتعطل خاصية احراقها، ويحي عيسى الموتى بإذن الله، والماء مع موسى يفقد قوانينه عليهم جميعاً الصلاة والسلام.
وقانون الماء هو الاستطراق .. لا يكون عاليا في مكان ومنخفضاً في مكان آخر (لابد أن يتساوى سطحه) فإذا بسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام يضرب بعصاه البحر فانشق وأصبح كل فرق كالطود العظيم أي كالجبل العظيم يقف عالياً ليخرق قوانين الماء كلها.. لكن لماذا حدث هذا؟
لماذا انفلق البحر إلى جزئين وتعطلت كل قوانين الماء .. لأن موسى رد الأمر إلى الله .. كيف؟
حينما تبع قوم فرعون قوم موسى، قال قوم موسى انا لمدركون وهذا كلام واقعي، لان البحر أمامهم واضح لا يحتاج إلى بيان ولكن موسى قال كلا..
وقالها بملئ فيه، قالها وهو واثق تماماً.. لماذا؟
لأنه لم يزعم أنه سينجوا بأسباب البشر.. لم يقل انني سأنجوا لأننا سنصعد إلى جبل كذا.. أو سنعبر البحر بطريقة كذا.. وإنما قال (كلا.. ان معي ربي سيهدين).
ونقل المسألة من قانون الانسان إلى قدرة الله .. وهنا قال الله (اضرب بعصاك البحر) .. فانفلق.
المصادر:
معجزة القرآن للشيخ الشعراوي رحمه الله رحمة واسعة.