ربّاه، ها أنا ذا أقف على بابك وقد ضاقت بي الدنيا بما رحبت، لا أدري إلى أين أمضي أو إلى من أشكو سواك، أثقلت كاهلي ذنوبي، وأرهقت روحي خطاياي، وليس لي سوى رحمتك ملاذٌ آوي إليه.
أتيتك راجيًا يا ذا الجلال، وأنت أعلم بحالي، أتيتك بعد أن أغلقت الأبواب دوني، وأصبحت وحدي في عتمة الليالي، أتحسس دربي بصعوبة، أتعثر في أخطائي، وأغرق في بحر ذنوبي التي لا نهاية لها، فأنت وحدك القادر على أن تُفرّج ما ترى من سوء حالي.
مولاي، كلما ذكرتُ ذنوبي، خنقتني العبرات، وأيقظتني الحسرة من سُبات الغفلة الذي طال، أعود إلى نفسي فأتساءل: كيف استطعت أن أعصيك يا الله؟ كيف أقدمتُ على مخالفة أمرك بكل هذا الجهل والجحود؟ عصيتك سيدي، ويلي بجهلي، ولا أدري كيف أغواني الشيطان حتى نسيت حقك عليّ، وتماديتُ في الغفلة حتى بات الذنبُ لا يخطُرُ على بالي. كيف هانت عليَّ نفسي وأنا الذي أعلم أنك تُراقبني في السر والعلن؟ كيف تجرأت على حدودك وأنت الملك العظيم، مالك يوم الدين؟
إلى من يشتكي المملوك إلا إلى مولاه يا مولى الموالي، إلى من ألجأ وأنت الذي وسعت رحمتُك كل شيء، وأنت القائل يا رحيم: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله"، ها أنا أسرفتُ على نفسي وأتعبتها بالذنوب، فإليك أعود وأتوسّل ألا تُغلق أبواب رحمتك دوني، فإن طردتني من بابك، فإلى أي باب أذهب؟
كم مرة يا إلهي تمنيت لو أنني لم أوجد على هذه الأرض، كم مرة تمنيتُ لو أن أمي لم تلدني، كي لا أكون سببًا في غضبك، كي لا أخجل من الوقوف بين يديك، كي لا أكون عاصيًا يبتغي عفوك وهو يعلم أنه لا يستحق، لعمري ليت أمي لم تلدني، ولم أُغضبك في ظُلم الليالي.
كم هي ثقيلةٌ تلك الليالي التي عصيتك فيها، كم مرةٍ وعدتُ نفسي أن أتوب إليك ثم عُدتُ وخالفتُ عهودي، تلاحقني ذنوبي كظلي، لا تفارقني أبدًا، وفي كل ليلةٍ أرى أعمالي ماثلةً أمامي، تُشعل في قلبي نيرانًا لا تهدأ، وتزيدني شعورًا بالضيق والألم، وما لي في كل ذلك سوى باب عفوك ورحمتك، ربِّ فافتح لي بابًا إلى رحمتك التي وعدت بها عبادك التائبين.
سيدي، أتراني أستحق عفوك؟ وهل لعاصٍ مثلي أن يُقبلَ بين عبادك الصالحين؟ لكنني أعلم يقينًا أنك أرحمُ بي من نفسي، وأقربُ إليَّ من حبل الوريد، وأعلمُ بحالي من أمي وأبي، أنتَ الذي قلت وقولك الحق: "ورحمتي وسعت كل شيء"، أفلا تسعني رحمتك وأنا عبدك الضعيف الذي لا يملك من أمره شيئًا؟
أنا عبدك العاصي، فقيرٌ إلى رحمتك، ليس لي سواك، لا أهلَ ولا صاحبَ ولا نصير، فاقبل مني سؤالي يا مولاي، اقبل توبتي وإن كانت توبةً تملؤها الأخطاء، اقبل ضعفي وجهلي، ولا تعاملني بعدلك، بل عاملني بلطفك وإحسانك، فلا عدلَ لي إن حاسبتني بعدلك، وليس لي في عفوك ورحمتك إلا الأمل. يا رب، إن عاقبتني بعدلك، فأنا هالك، لا أستحق النجاة، وإن رحمتني، فلا أملك سببًا لذلك سوى رجائي في رحمتك، وليس في يدي ما أستحق به هذه الرحمة… إلا الأمل.
إن عاقبت يا ربي، تعاقب محقًا، ولن ألوم إلا نفسي إن طردتني من رحمتك، فأنت العدلُ المطلق، وأنا الذي جنيت على نفسي وألقيت بها إلى التهلكة، فليس لي أن أشكو سوى سوء عملي، وإعراضي عن طريقك المستقيم، أستحق العذاب وأعلم ذلك، ولكن إلى من ألجأ إذا حرمتني عفوك؟
أخشى عقابك، وأرتجف كلما تذكرتُ أن وقوفي بين يديك قادمٌ لا محالة، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، فبأي وجهٍ أقف أمامك، وكيف أُجيب حين تسألني عن ذنوبي، عن وقتي الذي ضاع في المعاصي والغفلة، عن حقك عليّ الذي أضعته ولم أُراعِ حرمتك؟
ولكن رغم كل هذا الخوف، فإن أملي في عفوك أكبر، ويقيني في كرمك أعظم، أعلم أنك تُحب التوابين، وأنا تائبٌ إليك يا إلهي، أتوب إليك بكل كياني، أبكي على عتبة بابك، وأطرق باب رحمتك مرارًا وتكرارًا، علّك تفتح لي أبواب مغفرتك، وتقبلني عبدًا تائبًا، وإن لم تكن مغفرتك لأمثالي، فلمن تكون؟
وإن تعف يا ربي، فعفوك قد أراني لأفعالي وأوزاري الثقال، فإنني ما شعرتُ بالندم إلا برحمتك، وما شعرتُ بالحاجة للتوبة إلا بكرمك ولطفك، فعفوك ليس مجرد غفرانٍ لذنبي، بل نورٌ أضاء لي طريق العودة إليك، فها أنا أعود إليك اليوم، تائبًا، نادمًا، مستسلمًا لرحمتك، مستجيرًا بعفوك.
ربّاه، ها هي الدموع قد فاضت، والقلب قد ذاب ندمًا، والروح تهفو شوقًا إليك، اقبلني في عداد عبادك التائبين، ولا تحرمني من لذة القرب منك، فإنني في أشد الحاجة إليك، إلى رحمتك، إلى لطفك الذي لا ينتهي.
ربّاه، ها أنا ذا قد جئتُك بكل ما فيّ من ضعف، وأنت القوي، جئتك بكل ما فيّ من ذنب، وأنت الغفور الرحيم، أتيتك راجيًا، فلا تردني خائبًا، ارحم ضعفي، وتجاوز عن جهلي، واعفُ عن ذنوبي، فقد باتت تؤرّق مضجعي، وتحرمني من راحة نفسي.
وأعدُك يا إلهي أن أظل ببابك واقفًا، لا أبرح حتى تُدخلني في ساحة عفوك، لن أملّ من طلب رحمتك، فأنت أعلم بحالي، لا يطيب عيشي دون رضاك، ولا أرى معنىً لحياتي إن لم تشملني برحمتك.
ها أنا بين يديك يا إلهي، أرفع كفي إليك متضرعًا، وبقلبي المُثقل بالندم أقولها بكل صدقٍ وإخلاص:
إلهي، اقبلني عبدًا تائبًا، وارحمني برحمتك التي لا حدود لها، ولا تتركني لنفسي طرفة عين، فأنت وليي في الدنيا والآخرة، أنت حسبي ونعم الوكيل.