بصراحة، أكتب إليكم الآن كأنني أفضفض لنفسي قبلكم. لا شيء يشغل البال في هذا الزمن مثل ذلك الإحساس العميق بأن العمر يتسرب من بين أيدينا ونحن نحدق في شاشات صغيرة تسرق أعمارنا دون أن نشعر. أحيانًا أشعر أن السوشيال ميديا تحولت إلى وحش يلتهم ساعات اليوم بهدوء مخيف، كلما فتحت هاتفي دون تفكير، وجدت نفسي أتنقل من صفحة إلى صفحة، ومن منشور إلى آخر، دون هدف محدد، حتى ينتهي اليوم ويُخيم عليّ ذلك الإحساس بالفراغ، وكأنني أضعت شيئًا ثمينًا لم أستطع الإمساك به.
تبدأ القصة دائمًا بنية بسيطة: "سأفتح الهاتف لخمس دقائق فقط". ولكن فجأة، تمر الساعات، ولا أذكر إلا أنني قضيتها في قلب صفحات مليئة بحكايات الناس وصورهم وضحكاتهم وإنجازاتهم. ويبدو لي أحيانًا أنني أعيش حياة الآخرين أكثر مما أعيش حياتي الخاصة، وكأنني صرت مراقبًا صامتًا في مسرح حياة ليست لي.
وهنا تبدأ عادة المقارنة تتسلل ببطء، دون أن أشعر. أنظر إلى صورهم ومنشوراتهم، وأقارنها بي وبواقعي. لماذا حياتهم تبدو أفضل؟ لماذا يبتسمون دومًا؟ لماذا يحققون النجاح وأنا ما زلت أبحث عن أول الطريق؟ وتدور في ذهني أسئلة كثيرة، يتبعها شعور ناقم على نفسي، وأفقد ثقتي بقدرتي، ويخبو داخلي شيء من حب الحياة.
لا أحد يخبرنا أن كل ما نراه على الإنترنت ليس سوى جزء صغير من الحقيقة، صورة منتقاة بعناية لتبدو جميلة ومثالية. لكن رغم معرفتي بذلك، إلا أنني أقع في الفخ ذاته كل مرة، وأسمح لمشاعر الإحباط بأن تغمرني في صمت، ولا أجد من أشكو له سوى نفسي.
هناك شيء آخر يسرق أيامنا دون أن ندرك: عادة التأجيل. ذلك الكسل المقنع الذي نقنع أنفسنا أنه ليس عجزًا، بل مجرد "راحة قصيرة" قبل الانطلاق. أقول لنفسي: "سأبدأ غدًا، اليوم أحتاج للراحة." ولكن الغد يمر، ويتبعه يوم آخر، وتتراكم الأيام وأحلامي واقفة في مكانها، لم تتحرك خطوة للأمام.
أحيانا أضحك على نفسي حين أكتشف كم من الأحلام دفنتها في مقبرة "بكرة"، ذلك الغد المجهول الذي لا يأتي أبدًا. أجدني أمتلك قائمة طويلة من الطموحات، ولكن كلما اقتربت من تحقيق واحدة، وجدت نفسي أؤجلها بدعوى أن الوقت غير مناسب، أو أنني لست مستعدًا بعد. وهكذا تدور الدائرة، ويستمر التأجيل بلا نهاية.
وسط كل هذا الضياع، تساءلت كثيرًا: هل أنا وحدي من يعيش هذا التيه؟ هل هناك غيري ممن ضاعت أعمارهم في متابعة الآخرين وتاجيل الأحلام؟ وعندما بدأت أتكلم مع أصدقائي، اكتشفت أنني لست وحدي، بل إن كثيرين يعانون من نفس المشكلة. كلنا ندور في نفس الدوامة، نفر من واقعنا إلى واقع افتراضي، ونستبدل أحلامنا بكلمات منمقة وصور براقة لا تشبهنا.
ولماذا كل هذا؟ لماذا نسمح لعادات صغيرة أن تتحكم فينا، وتحرمنا من أن نعيش حياة تستحق أن نحلم بها؟ وجدت أن السبب في النهاية يعود إلى فكرة بسيطة جدًا: أننا فقدنا إيماننا بأننا نستحق الأفضل، وأننا قادرون على تغيير أنفسنا.
كل شيء قابل للتغيير. أدركت ذلك عندما بدأت أراقب أولئك الذين استطاعوا أن يخرجوا من دائرة السوشيال ميديا والتأجيل والكسل. لم يفعلوا شيئًا خارقًا، بل فقط آمنوا أنهم يستحقون أن يعيشوا حياة مختلفة، وبدأوا بخطوة بسيطة جدًا، لم تكن كبيرة أو صعبة، بل كانت فقط صادقة.
من هنا، بدأت أتعلم أن الحياة لا تتبدل دفعة واحدة، بل تتغير شيئًا فشيئًا، كل يوم بخطوة صغيرة، وبمحاولة جديدة، وبإيمان صادق بأنني أستحق أن أعيش حياة أفضل. صرت أقول لنفسي: "لن أسمح لعادتي القديمة بأن تقيدني، سأغيرها ولو قليلاً كل يوم."
كل ما تحتاجه هو أن تكون صادقًا مع نفسك. أن تعترف أمام نفسك بأن هناك مشكلة، وأنك تريد حلها. لا تحتاج إلى خطط عظيمة أو وعود كبيرة، فقط ابدأ بخطوة، مهما كانت بسيطة. أغلق الهاتف لبعض الوقت، أو ابدأ يومك دون أن تفتح السوشيال ميديا. حاول أن تنجز شيئًا صغيرًا، حتى لو كان قراءة صفحة من كتاب أو كتابة فكرة صغيرة عن حلمك.
ستتفاجأ كيف يمكن لخطوة صغيرة أن تخلق فرقًا كبيرًا في حياتك. كيف أن دقائق قليلة من التركيز يمكن أن تعيد إليك شعور الإنجاز الذي افتقدته. ستكتشف أن الحياة خارج الشاشات أوسع وأجمل مما كنت تظن، وأنك قادر على أن تحقق أكثر مما تخيلت.
ولا تنسى أن المقارنة بالآخرين لن تعود عليك إلا بالإحباط. كل إنسان لديه قصته، وظروفه، وأوجاعه التي يخفيها خلف تلك الصور المثالية. لا تجعل حياتك تقاس بحياة غيرك، ولا تقسو على نفسك إذا وجدت طريقك مختلفًا عن الآخرين. المهم أن تمشي في طريقك، ولو بخطوات بطيئة، فكل خطوة إلى الأمام تقربك من أحلامك أكثر.
قد تجد في البداية صعوبة، وستشعر بالحنين للعودة إلى عاداتك القديمة، وسيهمس لك الكسل بكلمات مغرية: "ارتاح قليلًا، ما المشكلة في التأجيل؟" لكن صدقني، أنت أقوى من كل هذه العادات، فقط إذا صدقت أنك تستحق أن تعيش بشكل أفضل.
التغيير لا يأتي في ليلة واحدة. بل هو عملية طويلة، مليئة بالتجارب والمحاولات، أحيانًا ننجح وأحيانًا نفشل. لكن الأهم ألا نتوقف. أن نستمر، حتى ولو كنا نسقط ثم نقف مجددًا. كل محاولة للتغيير هي نصر صغير على النفس، وكل خطوة للأمام هي دليل على أنك ما زلت تحارب من أجل نفسك.
أكتب لك الآن ليس لأنني حققت كل ما أتمناه، بل لأنني مثل كثيرين ما زلت أتعلم، وأسقط، وأحاول من جديد. أحيانًا أنجح وأحيانًا أخرى أعود من حيث بدأت، ولكنني لم أفقد بعد إيماني بأنني أستحق الأفضل.
لا تظن أن مشاعر الفراغ أو الضياع تخصك وحدك، فكلنا نمر بها بدرجات مختلفة. الفارق الوحيد أن هناك من يستسلم لها، وهناك من يقرر أن يقاومها، ولو بخطوة واحدة في اليوم. اختر أن تكون ممن يقاومون، ولا تسمح ليوم جديد أن يمر منك دون أن تفعل شيئًا لنفسك.
تخيل لو أنك كل يوم قررت أن تغير عادة واحدة صغيرة، أو تتخلى عن عادة سيئة واحدة فقط. كم ستصبح حياتك مختلفة بعد شهور قليلة! تخيل كم الإنجاز الذي يمكنك تحقيقه لو أنك بدأت الآن، ولو بخطوة واحدة فقط.
الحياة ليست مثالية، ولن تكون كذلك أبدًا. سيظل هناك دائمًا صعوبات وعثرات، وسنظل نواجه الإحباط من حين لآخر. ولكن في النهاية، كل شيء يتوقف على قرارك أنت: هل ستسمح لعاداتك السلبية أن تسرق منك أجمل أيامك؟ أم أنك ستقرر أن تستعيد حياتك من جديد، خطوة بخطوة؟
من خلال تجربتي، تعلمت أن أقسى أنواع الألم هو أن تشعر أنك لم تعش حياتك حقًا، وأنك أضعت أجمل سنواتك في انتظار شيء لم يأتِ أبدًا. لا تنتظر أن تتغير الظروف، ولا تنتظر أن يصبح الوقت مناسبًا، ولا تؤجل أحلامك ليومٍ قد لا يأتي. ابدأ الآن، بالمتاح، بما لديك، حتى لو كان قليلًا.
الأحلام الكبيرة تتحقق بخطوات صغيرة، وبقلب يؤمن أنه يستحق الأفضل. لا تدع خوفك من الفشل يمنعك من البداية. كل الناجحين الذين تراهم اليوم بدأوا يومًا بخطوة خائفة، وكلهم تعثروا وسقطوا، ولكنهم لم يتوقفوا. السر في الاستمرار، لا في المثالية.
ربما تشعر الآن أن التغيير صعب، وأن عاداتك القديمة أقوى منك. ولكن الحقيقة أن قوتك الحقيقية تظهر عندما تقرر أن تبدأ، رغم خوفك، ورغم ضعفك. القرار هو البداية الحقيقية، والإرادة هي وقود الرحلة.
وفي كل مرة تشعر فيها بالإحباط أو تعود فيها لعاداتك القديمة، سامح نفسك ولا تقسو عليها. نحن بشر، والخطأ جزء من طبيعتنا. المهم أن تظل تحاول، وألا تفقد الأمل في نفسك أبدًا.
اكتب إليك هذه الكلمات اليوم وأنا أشاركك بعض مما يدور في داخلي، ربما تجد فيها ما يلمس مشاعرك ويحفزك على التغيير. ربما تدفعك لأن تبدأ بخطوة صغيرة نحو حياة أفضل تستحقها.
وأخيرًا، تذكر دائمًا أن الحياة قصيرة، ولا تستحق أن نضيعها في مقارنات لا تنتهي، أو في انتظار يوم لن يأتي. عش يومك كما تحب، وحقق ما تستطيعه الآن، وابحث عن السعادة فيما تملكه اليوم، فكل لحظة تعيشها فرصة جديدة للبدء من جديد.
صدقني، أنت تستحق أن تكون في مكانك الصحيح، ولا توجد عادة سلبية أقوى من إرادتك إذا آمنت بقدرتك على التغيير. ابدأ اليوم، ولو بخطوة صغيرة جدًا، وكن صادقًا مع نفسك. ستجد أن الحياة تبدأ في التغير أمام عينيك، يومًا بعد يوم.
وأنا واثق أنك تقدر.